26/08/2023 - 21:50

حوار مع د. سهاد بشارة | "الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والهيمنة الجغرافية"

د. بشارة: "اليوم تحولت الأنظار إلى النقب كونها المنطقة التي تجري فيها عملية التهجير، ليس من خلال حكم عسكري بل من خلال قانون مدني دستوري، والاستنتاج أن المحكمة تأخذ نفس الدور الذي أخذته فترة الحكم العسكري".

حوار مع د. سهاد بشارة |

من أم الحيران في النقب (Gettyimages)

حاز البحث الذي أجرته الحقوقية سهاد بشارة ونالت عليه شهادة الدكتوراة من جامعة "كينجز كوليج" في لندن، على جائزة المعهد البريطاني لدراسات الشرق الأوسط الذي يمنح جائزة سنوية لأفضل بحث يجرى في جامعات بريطانيا حول قضايا الشرق الأوسط.

ويكتسب البحث الذي جاء تحت عنوان "الأرض والقانون في فلسطين/إسرائيل: قراءة في الاستعمار الاستيطاني والهيمنة المناطقية اليهودية"، أهمية خاصة ليس فقط من كون بشارة هي ناشطة حقوقية ومحامية في مركز "عدالة" خاضت لسنوات طويلة في قضايا الأرض ودافعت عنها أمام القضاء الاسرائيلي وعلى رأسه المحكمة العليا ضمن عشرات الالتماسات، بل من كونه يكشف أيضا عورة هذا القضاء في ظرف يحاول البعض فيه حشرنا عنوة في جانب المتراس المدافع عنه في الصراع الذي يكتنف الشارع الإسرائيلي هذه الأيام.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" د. سهاد بشارة حول موضوع البحث ودلالاته القانونية والسياسية.

"عرب 48": طبعا، إن فوزك بالجائزة واستحقاقك لشهادة الدكتوراة لن يعوض خسارتك وخسارة محامين آخرين لعشرات الالتماسات التي قدمت باسمنا كفلسطينيين أمام العليا الإسرائيلية، ليس لأنهم مدافعون فاشلون بل بسبب القانون العنصري الذي تحتكم إليه والقضاء العنصري الذي تمثله هذه المحاكم، وهو ما يمكن قراءته في مفردات عنوان البحث مثل "الاستعمار الاستيطاني" و"الهيمنة اليهودية"؟

د. بشارة: أكيد، لكن دعنا ننتقل لما يشير إليه العنوان من مضمون بحث يتناول دور القانون والمحكمة العليا الإسرائيلية، تحديدا في صياغة وتثبيت سياسات الهيمنة الجغرافية والمناطقية في داخل إسرائيل بحدود الـ48 وفي الضفة الغربية على مدار حقبات تاريخية قانونية مختلفة، الحقبة الممتدة منذ الـ48 وحتى انتهاء الحكم العسكري عام 1966، مرورا بما يسمى الثورة الدستورية في إسرائيل وانتهاء بما يجري في الضفة الغربية بكل ما يتعلق بالاستيطان والهيمنة المناطقية في أراضي 67.

د. سهاد بشارة

أخذت كل هذه الفترات وبحثت في الهيمنة الجغرافية في كل مرحلة منها، بما معناه سياسات التهويد والاستيطان مقابل سياسات التهجير والمصادرة، وفي هذا النطاق يتركز البحث في ثلاثة مواضيع أساسية هي سياسات مصادرة الأراضي، وسياسات التهجير وسياسات التهويد والاستيطان، وكيف عبرت هذه السياسات امتحان المحكمة العليا علما أنها تمت في نطاق أطر قانونية مختلفة، "الحكم العسكري" وبعده قوانين مدنية ودستورية واليوم قوانين دولية في الضفة الغربية.

"عرب 48": المحكمة العليا أعطت دائما الغطاء القانوني للممارسات السياسية المرتبطة بالمصادرة والهيمنة والتهويد والاستيطان؟

بشارة: نعم وذلك بغض النظر عن أي إطار قانوني جرت في نطاقه، إن كان ذلك "الحكم العسكري" الذي فرض على أهالي الـ48 حتى عام 1966 أو الحكم العسكري في الضفة الغربية، أو إطار قانون مدني دستوري يقع تحته أهالي 48 من الـ67 وحتى اليوم، بما في ذلك ما يحدث في النقب اليوم.

هذه السياسات مُررت تحت جميع هذه الأطر القانونية ومرت امتحان المحكمة العليا الإسرائيلية بغض النظر عن ذلك، وهذا ما يجعل عملية الفصل بين القانوني والسياسي في السياق الإسرائيلي غير قائمة تقريبا، وعندما أقول "قانون" أعني أيضا قرارات المحكمة العليا لأن القانون يصاغ من قبل تفسيرات هذه المحكمة، وأنا أتطرق إلى القانون كفعل سياسي بدون فصل، وذلك بما يتعلق بموضوع البحث الذي يتركز في قضايا الهيمنة الجغرافية والمناطقية أساسا.

"عرب 48": طبعا تناولت أمثلة عينية من القضايا والقرارات التي بحثتها وأصدرتها العليا الإسرائيلية؟

د. بشارة: صحيح إن البحث يعالج بالأساس تطور القانون والمنطق من ورائه ويعود إلى الكثير من المراجع في هذا الموضوع، لكن الكم الأساسي من البحث يتركز في قرارات المحكمة العليا في المناطق المختلفة والحقب المختلفة.

فمثلا في حقبة الحكم العسكري وغداة نكبة 48 وإقامة إسرائيل جرى صياغة قوانين مصادرة أراضي واملاك الفلسطينيين، عبر سلسلة قوانين وإجراءات وقرارات أبرزها "قانون أملاك الغائبين" عام 1950 و"قانون الحرام" عام 1953 وقرارات المحكمة العليا التي صاغت كل هذه القوانين.

هناك كما أسلفت القانون وهناك قرارات المحكمة العليا المتعلقة بتفسير القانون والتي تصبح جزءا لا يتجزأ منه ومن تطبيقه، وفي هذا السياق أورد الكثير من قرارات المحكمة التي صادرت "أملاك غائبين"، بعضهم ممن هجروا، على سبيل المثال، من طبرية إلى الناصرة أو من وادي عارة بعد "اتفاقية رودوس" وأصبحوا مواطنين إلا أن ذلك لم يؤثر على قرارات المحكمة بتثبيت مصادرة أراضيهم وأملاكهم.

"عرب 48": المحكمة لم تأخذ بالحسبان مواطنة هؤلاء وكونهم يسكنون على مرمى حجر من أراضيهم؟

د. بشارة: هذه القوانين سنت أساسا لتصادر الكم الأكبر من أملاك الفلسطينيين لصالح أهداف التهويد والاستيلاء على الأرض واستيطانها، وذلك بغض النظر عن كونهم مهجرين داخل الوطن أو خارجه، والمحكمة العليا إذا اردت التطرق لقراراتها بمنطق مختصر أقول إنه لم يكن لديها أي نوع من النقد على المساقات التي نصتها هذه القوانين ولم يكن عندها أي نقد على كون هذه القوانين سنت ونصت بشكل عنصري يستهدف الأملاك الفلسطينية، وهو أمر كان معروفا منذ البداية للمشرع وللمحكمة العليا، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل أن المحكمة أعطت لهذه القوانين تفسيرات فضفاضة سمحت بتطبيقها بشكل جارف.

بمعنى أن العليا أعطت للسلطة التنفيذية صلاحيات جارفة جدا في التطبيق وفي التفسير وفي إمكانية أو استحالة إمكانية استعادة أملاك من قبل مواطنين على سبيل المثال، حيث جعلت مسألة استعادة مثل هذه الأملاك غير واردة بتاتا.

في الشق الثاني، التهجير مثلا، أوردت عدة أمثلة جرت في فترة الحكم العسكري أبرزها قضية تهجير إقرث وبرعم.

"عرب 48": قرار إعادة أهالي إقرث كان قرارا يتيما للعليا ولم يطبق؟

د. بشارة: ليس فقط أنه لم يطبق بل إن أهالي إقرث وبرعم عادوا إلى العليا في عدة مراحل، المرحلة الأخيرة منها كانت بعد ما أسموه بالثورة الدستورية وقرارات العليا في هذا السياق كانت سيئة وواكبت القرار السياسي القاضي بعدم إرجاع أهالي اقرث وبرعم إلى ديارهم.

طبعا هناك قضايا أخرى مثل الغابسية وصفورية وغيرهما، حيث كان حراكا قانونيا نشطا في تلك الفترة، يوفر لنا مواد كافية للبحث في موضوع دور المحكمة العليا في قضايا التهجير.

اليوم تحولت الأنظار إلى النقب كونها المنطقة التي تجري فيها عملية التهجير، ليس من خلال حكم عسكري بل من خلال قانون مدني دستوري، والاستنتاج أن المحكمة تأخذ نفس الدور الذي أخذته فترة الحكم العسكري.

"عرب 48": هي توفر الغطاء القانوني وتشرعن للمصادرة؟

د. بشارة: الغطاء القانوني موجود على شكل قوانين لكن المحكمة تعطي تفسيرا للقوانين، وبالنسبة للشرعنة فأنا شخصيا أتحفظ من استخدام هذا المصطلح لأنه يوحي وكأن هناك فصل بين المشرع والمحكمة العليا، أو كأن هناك استقلالية معينة للجهاز القضائي وهذا بالذات في مثل هذه القضايا غير موجود.

أنا أرى أن دور المحكمة العليا يكمن في كيفية صياغة هذه القوانين وتفسيرها وتطبيقها على أرض الواقع.

في الضفة أيضا هناك نشاط قضائي يعطينا كما كافيا من القضايا التي نستطيع من خلالها بحث دور المحكمة العليا في سياقات التهجير والمصادرة والتهويد، فهناك قرار "مسافر يطا" الأخير الذي كتب الكثير عنه وهناك عدة قرارات أخرى.

"عرب 48": هناك قرار بإخلاء الخان الأحمر؟

د. بشارة: نعم، هناك العديد من قضايا إخلاء تجمعات بدوية في "مناطق ج" في الضفة بهدف إفراغ هذه المنطقة من الفلسطينيين خدمة للمخططات السياسية الإسرائيلية.

"عرب 48": من الواضح أن المحكمة العليا لم تسعف الفلسطينيين في مسألة سطو المستوطنين حتى على أراضيهم الخاصة؟

د. بشارة: الموضوع مركب بعض الشيء فالعليا ألغت قانون "التسوية" الاستيطاني قبل بضع سنوات، والذي حاول تسوية البؤر الاستيطانية التي أقيمت خلافا لقرارات حكومية وخارج نطاق التخطيط الرسمي للاستيطان، إلا أنها وفي نفس القرار فسرت أنه يمكن مصادرة أراضي فلسطينية خاصة لأهداف استيطانية في إطار ما يسمى بالأوامر العسكرية والقانون الإنساني الدولي وبذلك أعطت فتوى لمصادرة أراضي خاصة من الفلسطينيين لغرض إقامة مستوطنات.

هذا علما أن القانون الدولي ينص على أن مصادرة أراضي فلسطينية خاصة لأهداف سياسية (والاستيطان سياسة طبعا) للقوة المحتلة هو ممنوع قطعا، وبالطبع هذا موضوع إشكالي ولكنه يتماشى مع ما سبق من قرارات للمحكمة في سياقات مشابهة فترة الحكم العسكري وما بعده من مصادرة من فلسطينيين لصالح الاستيطان اليهودي.

"عرب 48": المثال الأبرز الحاضر اليوم هو إخلاء أم الحيران لصالح إقامة مستوطنة حيران اليهودية على أرضها؟

د. بشارة: صحيح قضية أم الحيران واحدة من القضايا المركزية التي تطرقت إليها في البحث، ورغم أن عملية الإخلاء لم تتم بعد ولكن قرار الإخلاء قائم والهدف هو إقامة مستوطنة يهودية تحمل نفس الاسم، والجدير بالذكر أن العليا صادقت على القرار رغم إقرارها بأن أهالي أم الحيران جرى نقلهم إلى المنطقة من قبل الحاكم العسكري ما يعني أن ادعاء استيلاءهم على الأرض بشكل غير قانوني هو باطل.

عملية التهويد أخذت أولوية في هذا الإطار وكون أهالي أم الحيران مواطنين ذوي حقوق دستورية، لم يسعفهم من قرار مجحف يقول إن هناك إمكانية لتهجيرهم من أجل بناء حيران اليهودية.

"عرب 48": هل تطرق البحث للازدواجية القانونية القائمة في الضفة بين الفلسطينيين والمستوطنين والتي تشكل أساسا لنظام أبارتهايد؟

د. بشارة: أنا أسميتها "القضاء الكولونيالي" وهناك في هذا السياق مبدأ التهويد المثبت في تعريف الدولة، والذي هو مبدأ يعلو على أية مبادئ دستورية أخرى وعلى أية حقوق ينص عليها القانون الدولي، بغض النظر إذا كنت مواطنا أو غير مواطن، فإن كونك فلسطينيا هو جزء لا يتجزأ من نظرة المحكمة لهذه القضايا حتى لو لم يذكر بشكل مباشر.

"عرب 48": بمعنى أن التهويد مبدأ موجه؟

د. بشارة: نعم هو مبدأ موجه يعلو على أي مبدأ آخر ينص عليه القانون الدولي أو القانون الدستوري، بمعنى أنه يسري على كل فلسطين التاريخية.


د. سهاد بشارة: مديرة الوحدة القانونية ووحدة الأرض والتخطيط في "عدالة" وحاصلة على لقب الدكتوراة من كلية الحقوق في جامعة "King's College" في لندن.

التعليقات